ملاحظات يجب مراعاتها عند دراسة اللاهوت :

تعين على كل من يريد دراسة اللاهوت أن يلاحظ أموراً كثيرة يجب مراعاتها لكى تأتى دراسته بالنتائج المرجوة :-

1. الإيمان :-
نعلم جميعاً أن الله أعظم من أن يبحث فيه أو أن يوضح تحت المجهر فقد قال أيوب الصديق " إلى عمق الله تتصل , أم إلى نهاية القدير تنتهى ؟ هو أعلى من السموات فماذا عساك أن تفعل ؟ أعمق الهاوية فماذا تدرى ؟ أطول من الأرض وأعرض من البحر ؟ ( أى 11 ) وقال أيضاً " هوذا الله عظيم ولا نعرفه وعدد سنيه لا يفحص " ( أى 36 )

وكما يقول القديس غريغوريوس فى القداس الإلهى : " الذى لا ينطق بها ( لا يعبر عنه ) غير المرئى , غير المحوى , غير المبتدئ الأبدى غير الزمنى الذى لا يحد غير المفحوص غير المستحيل غير المتغير "

لذلك من المهم جداً فى الإيمان داخل النفس لكى يكمل نقائص العقل " أشكرك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال " ( لو 10 : 21 )

هذا ما قاله السيد المسيح له المجد قبل أرسالية السبعين رسولا , وقال داود النبى " آمنت لذا تكلمت " ( مز 16 : 10 )

2. العقل :
ليس معنى الارتكان على الإيمان أن يلغى عقله بل أن العقل والإيمان صنوان لا يفترقان , قال داود النبى : إنسان فى كرامة ولا يفهم يشبه البهائم التى تباد " ( مز 49 : 20 ) , لذلك قال القديس أوغسطينوس " العقل يكمل الإيمان والإيمان يكمل العقل وأننى أؤمن لكى أتعقل "

وكما يقولون : الديانة المعقولة ديانة مقبولة , وقال الفيلسوف اليونانى القديم أفلاطون " إن الله عقل وعاقل ومعقول " وكما يقول البعض ( الله عرفوه بالعقل )

ومما سبق نستدل على أن العقل مهم جدا للإيمان وهذا ليس غريبا لأن العقل من الله كما أن الإيمان من الله .

3. التدقيق فى الألفاظ :
ليس كل إنسان يستطيع أن يقول أنه يتكلم عن اللاهوت أن أنه يعلم العلوم اللاهوتية لأن القديس غريغوريوس الكبير يقول : " كثيرا ما نريد أن نتحدث عن اللاهوت فنجرح اللاهوت " , وذلك لأن الألفاظ مهما كانت بليغة فهى قاصرة وسقيمة وعقيمة فكم وكم إذا كانت غير دقيقة فدارس الاهوت لابد أن يعرف المصطلحات اللاهوتية ومعناها الوثيق دون الخلط بينها وبين الألفاظ الأخرى التى لا تفى بالمعنى المطلوب لذلك عقدت المجامع وانعقدت المؤتمرات والجلسات ربما لتناقش عبارة واحدة لها أثرها فى المفهوم اللاهوتى مثل كلمة ( أموأسيوس ) " مساو للآب فى جوهر واحد ) التى قالها أثناسيوس وكلمة ( أومى أسيوس ) التى قالها أريوس ومعناها " مشابه للآب فى الجوهر " فمن ضمن فوائد المجمع أنها حددت صيغ الإيمان ووضعت المعتقدات الإيمانية فى أقوال لفظية دقيقة وسليمة .

4. أن يكون دارس اللاهوت بعيدا عن المعتقدات الخاطئة :
لا يصح أبدا أن يكون دارس اللاهوت متعلقا ببعض المعتقدات الخاطئة أو الأراء الفلسفية الملحدة أو الوثنية مثل ( تناسخ الأرواح أو بأى أراء خاطئة فى الله والإنسان أو السحر والدجل ) لئلا يبنى البراهين اللاهوتية على معتقدات خاطئة فتكون النتيجة فسادا لأنه بنى معتقداته على نظريات علمية أو فلسفية , فربما يأتى وقت تظهر فيه نظرية تخطئ النظريات السابقة , بهذا يضيع المعتقد اللاهوتى وسط تيارات النظريات المتضاربة .

5. أن يعرف البديهيات والمنطق :
لابد لدارس اللاهوت أن تكون عنده بعض مبادئ المنطق السليم والتفكير الذهنى الدقيق فحديثه وفكره لابد أن يكونان فى نسق وترتيب وتلاقى مبنى على قياس منطقى سليم ويستطيع أن يستخرج النتائج من القياس المنطقى . مثل : ( الكل أكبر من الجزء – لكل معلول علة ) وإذا كانت ( 1 = ب , ب = ج , إذاً 1 = ج )

وهكذا لأن علم اللاهوت ليس موضوعات تطرح فيه أو قصصا تسرد أو مجرد سرد آيات وأحداث بلا نظام لا يسانده القياس المنطقى السليم , ولنا فى الكتاب المقدس أمثلة المسيح له المجد والرسل الأطهار تظهر قيمة العقل والمنطق السليم فى الحوار والكلام مثلا :-

  •  عندما طلب البعض رأى المسيح فى الجزية طلب منهم أيضاً هو أن يحضروا العملة وقال لهم : " لمن هذه الصورة فقالوا لقيصر فقال : أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ( مت 22 : 19 – 22 ) .
  •  وعندما سألوه بعد تطهير الهيكل من الباعة بأى سلطان تفعل هذا ؟ ( رد على سؤالهم بسؤال ) معمودية يوحنا هل من السماء أم من الناس ؟ فقالوا له : لا نعلم , فقال لهم : وأنا لا أقول لكم بأى سلطان أفعل هذا " ( مت 21 : 23 – 27 )
  •  وعندما وجد بولس الرسول فى أريوس باغوس مذبحا مكتوب عليه ( لإله مجهول ) , قال لهم " الذى تتقونه وأنتم تجهلونه هذا أنا أنادى لكم به " ( أع 17 : 23 ) . أنها حكمة الكلام والمنطق السليم المطلوب للروح والعقل .

 

6. أن يجمع كل الحقائق والنظريات اللاهوتية :-
لابد لدارس اللاهوت أن يدرس وجهات نظر الآخرين وليس وجهة نظره فقط بل ويعرف كل البدع والهرطقات التى ظهرت على مر التاريخ لكى يعرف نقطة البدء فيها لئلا تنزلق رجله ويقع فى بدعة جديدة فالدفاع والبرهان لأى عقيدة إذا كان معتنقها لا يدرى كيف يتكلم وما هى حدود براهينه ولا يعرف المحظورات ولا الأخطاء التى وقع فيها من سبقوه من الممكن جدا أن يقع هو الآخر ( فأوطاخى ) الذى أراد أن يرد على بدعة الطبيعتين وقع فى بدعة مزج الطبيعتين وخيالية المسيح , ( وبيلاجيوس ) تكلم عن احتمال الخطأ فى المسيح فرد عليه ( أبوليناريوس ) فى بدعة تنادى بعدم وجود النفس الإنسانية فى المسيح وهكذا لابد لدارس اللاهوت أن يفهم كل الآراء والنظريات والأفكار اللاهوتية والفلسفية المختلفة .